لماذا نشعر بالدوار عند الدوران؟
انطلق مع طفل صغير في مغامرة داخل أذنك الداخلية لتعرف لماذا تشعر بالدوار بعد الدوران. نستكشف القنوات نصف الدائرية والسائل الذي يتحرك داخلها وكيف يرسل إشارات للدماغ، ونتعلم كيف تعود إلى توازنك بعد لحظة من الفوضى.

هل سبق لك أن لعبت لعبة الدوران؟ تحب كل طفل أن يدور بسرعة حول نفسه، يفك رقصاته الصغيرة تحت ضحكات الأصدقاء، ثم فجأة يشعر بأن العالم يختلط في دواماتٍ غير مستقرة، تميل الأرض وتنقلب الصور مثل فلم قديم. هذا الشعور بالدوار بعد الدوران ليس سحراً ولا مصادفة، بل هو حكاية علمية ممتعة تحكيها أجسادنا عبر الأذن والدماغ والجاذبية.
الأذن الداخلية:
سائل يروي قصة الدورافي أعماق أذنك توجد هياكل صغيرة معقدة تُعرف بالقنوات نصف الدائرية، وهي ممتلئة بسائل حساس للغاية. عندما تدور بسرعة، يتحرك هذا السائل داخل القنوات مثل مياه تدور في كوب. على جدران هذه القنوات توجد خلايا شعرية دقيقة تشبه الأعشاب في بحر صامت. ترصد هذه الخلايا حركة السائل وترسل إشارات إلى الدماغ تخبره أن الجسد يدور. فإذا توقفت فجأة عن الدوران، يستمر السائل في الحركة بسبب قصور الذات ( عزم الاستمرارية ) كما يستمر الماء في الحركة بعد تحريك كوب الشاي. هذا الاستمرار يخدع الخلايا الشعرية، فترسل إشارات إلى الدماغ تفيد بأنك ما زلت تدور بينما عيناك تخبران الدماغ بأن كل شيء قد توقف. هنا يبدأ الارتباك ويظهر شعور الدوار.
الدماغ ينتظر: كيف يعود التوازن؟
عند حصول هذا التضارب في الإشارات، يحاول الدماغ تفسير الأمر وتوفيق المعطيات. يستخدم الدماغ معلومات من العينين، والعضلات، والأذن الداخلية ليحدد وضع الجسد في الفراغ. عندما يتوقف الدوران ويستمر السائل في القنوات نصف الدائرية في الحركة، يتلقى الدماغ إشارات متناقضة، فيعتقد أنك لا تزال تتحرك. خلال هذا الوقت قد تشعر بأن الأرض تتحرك أو أن رأسك يتأرجح، وقد تضطر إلى الجلوس أو إمساك شيء ثابت. مع مرور الوقت، يبدأ السائل في الأذن بالهدوء، وتعود الإشارات إلى حالتها الطبيعية. يساعدك النظر إلى نقطة ثابتة أو إغلاق عينيك على استعادة التوازن بسرعة لأنك تُقلل تضارب المعلومات الذي يرهق الدماغ.
هذه الظاهرة تعلمنا درساً بسيطاً حول فيزياء الحركة وعمل أجسادنا. فإحساسنا بالتوازن يعتمد على شبكة من الأعضاء تتواصل مع بعضها بدقة. عندما نحدث اضطراباً فيها بالدوران السريع، نحصل على أثر جانبي مؤقت هو الدوخة. الأطفال غالباً ما يحبون هذا الشعور لأنه يشبه ركوب دوامة الملاهي؛ لكنه تذكير بأن العلم حاضر حتى في ألعابنا. في المرة القادمة التي تدور فيها، حاول أن تلاحظ كيف يعود توازنك بسرعة عندما تركز نظرك على شيء ثابت أو عندما تجلس بهدوء. ستدرك أن جسدك له طريقة رائعة في إعادة ترتيب نفسه، وأن فهم هذا يساعدك على التمتع بألعابك بمسؤولية.
عندما تكبر ستكتشف أن الدوار ليس مترتبطًا فقط بالدوران في مكانك. عند ركوب الطائرة أو السيارة، قد تشعر أحياناً بالإعياء أو ما يسمى بدوار الحركة. يعود السبب إلى تناقض مشابه في الإشارات بين العينين والأذن الداخلية: العين ترى أن الجسم ثابت داخل الطائرة بينما الأذن الداخلية تشعر بالحركة، فيُرسل الدماغ إشارات متضاربة وتظهر أعراض الغثيان أو الدوخة. لذلك يُنصح بالجلوس بجوار النافذة والنظر إلى الأفق حتى يتوافق ما تراه العين مع ما تشعر به الأذن.
في العلوم والطب هناك حالات مرضية تجعل الشخص يشعر بالدوران المستمر، مثل التهاب الأذن الداخلية أو مرض منيير. هذه الحالات تُظهر أهمية صحة جهاز التوازن لدينا، وتعلِمنا أن ما نعده لعبة بسيطة قد يكون تجربة مرهقة لمن يعاني من اضطراب في الأذن. لذلك علينا الاعتناء بأجسادنا والالتزام بنمط حياة صحي يحمي آذاننا من العدوى أو الإصابات.